تنظيم يوم تحسيسي وإعلامي بالجزائر العاصمة حول أهمية الإرث الحضاري الجزائري وضرورة استغلاله

دعا مشاركون في يوم تحسيسي وإعلامي بالجزائر العاصمة حول التراث الثقافي المادي واللامادي في الجزائر إلى ضرورة استغلال الإرث الحضاري الذي تزخر به الجزائر في مختلف المجالات والاستثمار فيه من أجل تثمينه والمحافظة عليه وجعله مصدرا للتنمية المستدامة.

وخلال يوم تحسيسي وإعلامي بمناسبة شهر التراث (18 أبريل – 18 مايو), أبرز أستاذ الأنثروبولوجيا أحمد بن نعوم مدى تنوع التراث الثقافي الجزائري وقدرته على لعب “دور محوري” في الحياة الاجتماعية والثقافية بالنظر إلى “فرادته وتميزه بخصائص تجعله مصدر إلهام وإبداع دائم”, داعيا إلى “تلقين هذا المنتج الثقافي والحضاري للجزائر للأجيال المتعاقبة وذلك عن طريق استنطاق النظام الرمزي الحضاري الوطني”.

ودعا السيد بن نعوم الباحثين الجزائريين إلى إيجاد مقاربات جديدة لدى تعاملهم مع التراث الثقافي والحضاري الجزائري “بعيدا عن المفاهيم التي كرستها الدراسات الفرنسية التي لا تخدم أبدا التراث الجزائري”, مضيفا أن الإرث الحضاري الجزائري “ثري ومتنوع وعريق” ويبرز في عدة مجالات كالأزياء والعمران والطهي والحلي والتعابير الجسدية والسلوكات الاجتماعية والمعارف الاقتصادية والأشعار والألحان والأساطير والحكايات والمسرح.

وأكد المحاضر, في هذا السياق, أن الدراسات التي أنجزت طيلة تواجد المستعمر الفرنسي بالجزائر “ركزت واشتغلت خصوصا على التراث المادي بخلفية استعمارية محضة لأنه يشكل مجال بسط سيطرته مع التركيز على التراث الروماني لإثبات تواجده من جهة ولطمس مساهمة الجزائري في بناء ثقافته وحضارته وتراثه, المادي واللامادي”.

وأوضح المتحدث أن أي تراث حضاري مرتبط بالزمان والمكان والمادة, داعيا في هذا الإطار إلى تصحيح بعض المفاهيم التي كرسها الفرنسيون في بحوثهم الأنثروبولوجية, معتبار أن علاقة التراث الحضاري بالمكان “جد معقدة” لأنها تظهر علاقة الانسان بالأرض والمعارف الزراعية وتأسيس المدن والمباني.

وقال بن نعوم أنه “من المستعجل اليوم تسجيل الإرث الحضاري المرتبط بالأرض” في مختلف مناطق الجزائر, بما فيها منطقة الواحات نظرا لأهمية بساتين النخل وكل ما يحيط بها من نشاط زراعي ومعارف ونظام إجتماعي واقتصادي مدون ومن خلال السلوك الحضاري للساكنة.

وأبرز بن نعوم كذلك أهمية الطوبونيميا في التهيئة العمرانية للمدن القديمة حيث تفطن السكان القدماء -يضيف- إلى ضرورة تسمية الأماكن والمواقع بدقة شديدة وهو تدوين يثبت وجود إرث حضاري جزائري قديم لمختلف المدن والمناطق.

ومن جهتها, تحدثت الخبيرة الدولية في الزراعة والنظام الغذائي, أمينة يونسي, عن مدى قدرة التراث الحضاري الجزائري في تحقيق قفزة اقتصادية ومعرفية, مشيرة في سياق كلامها إلى الإرث الغذائي الذي يبرز بشدة في الطبخ الجزائري والذي جاء عن طريق تشكيلة من العناصر المتفاعلة فيما بينها في إشارة منها الى المواد الغذائية والأواني ووصفات الطبخ والمعارف المتعلقة بمعطيات جغرافية ومناخية.

وتحدثت السيدة يونسي عن التنوع الثري للطبخ الجزائري وأصالته وعراقته وقدرته في نفس الوقت على النهل من الحضارات والثقافات الأخرى عبر حقب تاريخية متعاقبة, مؤكدة بأن هذه الأطباق هي عبارة عن “سجل حي تحكي تاريخ بلد بأكمله”.

وقدمت الخبيرة لمحة عن الأطباق التي استطاع مجال الطبخ الجزائري أن يبدعها عبر مئات السنين في كل مناطق البلاد بالاستعانة بالظروف المناخية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية آنذاك والتي استطاعت أن تحقق الاستدامة وإرساء سلوك أخلاقي وإجتماعي قائم على روح التعاون والتكافل الاجتماعي والتشارك أيضا.

وعرف اللقاء مداخلة أخرى حول الموسيقى الأندلسية ومدى ترسخها في الثقافة الجزائرية, حيث اعتبر الموسيقي نور الدين سعودي, بصفته باحثا في الموسيقى الأندلسية, أن “العبقرية الجزائرية كانت واضحة في تطوير هذه الموسيقى بفضل مساهمة مختلف المدارس في الجزائر العاصمة وقسنطينة وتلمسان في تطوير أنواع موسيقية معروفة ومختلفة”.

وفي مجال الهندسة المعمارية, سلط مهندسون وخبراء الضوء على آفاق استغلال المعارف في مجال العمارة التقليدية والتقنيات المستعملة قديما وقدرتها على مقاومة المخاطر الطبيعية وكذا التهيئة العمرانية للمدن سالفا عبر الوطن كما هو الحال بالنسبة لقصبة الجزائر لجعلها جوهرة عمرانية مع الاحتفاظ بطابعها الروحي والاجتماعي ومنحها القدرة على المساهمة في الترويج للسياحة الداخلية والخارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى